من لكعب بن الأشرف ؟ فإنه قد آذى الله ورسوله .
فقام محمد بن مسلمة فقال : يا رسول الله ، أتحب أن أقتله ؟ قال : نعم .
قال : فائذن لي أن أقول شيئا ، قال : قل .
فأتاه محمد بن مسلمة فقال : إن هذا الرجل قد سألنا صدقة ، وإنه قد عنانا ، وإني قد أتيتك أستسلفك ، قال : وأيضا والله لتملنه ، قال : إنا قد اتبعناه ، فلا نحب أن ندعه حتى ننظر إلى أي شيء يصير شأنه ، وقد أردنا أن تسلفنا وسقا أو وسقين ؟ - وحدثنا عمرو غير مرة ، فلم يذكر وسقا أو وسقين ، أو : فقلت له : فيه وسقا أو وسقين ؟ فقال : أرى فيه وسقا أو وسقين - فقال : نعم ، ارهنوني ، قالو : أي شيء تريد ؟ قال : أرهنوني نساءكم ، قالوا كيف نرهنك نساءنا وأنت أجمل العرب ، قال : فارهنوني أبناءكم ، قالوا : كيف نرهنك أبناءنا ، فيسب أحدهم ، فيقال : رهن بوسق أو وسقين ، هذا عار علينا ، وكنا نرهنك اللأمة - قال سفيان : يعني السلاح - فواعده أن يأتيه ، فجاءه ليلا ومعه أبو نائلة ، وهو أخو كعب من الرضاعة ، فدعاهم إلى الحصن ، فنزل إليهم ، فقالت له امرأته : أين تخرج هذه الساعة ؟ فقال : إنما هو محمد بن مسلمة وأخي أبو نائلة ، وقال غيرعمرو ، قالت أسمع صوتا كأنه يقطر منه الدم ، قال : إنما هو أخي محمد بن مسلمة ، ورضيعي أبو نائلة ، إن الكريم لو دعي إلى طعنة بليل لأجاب .
قال ويدخل محمد بن مسلمة معه رجلين - قيل لسفيان : سماهم عمرو ؟ قال : سمى بعضهم - قال عمرو : جاء معه برجلين ، وقال غير عمرو : أبو عبس بن جبر والحارث بن أوس وعباد بن بشر .
قال عمرو : جاء معه برجلين ، فقال : إذا ما جاء فإني قائل بشعره فأشمه ، فإذا رأيتموني استمكنت من رأسه فدونكم فاضربوه .
وقال مرة ثم أشمكم ، فنزل إليهم متوشحا وهو ينفح منه ريح الطيب ، فقال : ما رأيت كاليوم ريحا ، أي أطيب ، وقال غير عمرو : قال عندي أعطر نساء العرب وأكمل العرب .
قال عمرو : فقال أتأذن لي أن أشم رأسك ؟ قال : نعم ، فشمه ثم أشم أصحابه ، ثم قال : أتأذن لي ؟ قال : نعم ، فلما استمكن منه ، قال : دونكم ، فقتلوه ، ثم أتوا النبي صلى الله عليه وسلم فأخبروه ، صحيح البخاري
------------------------------------------------
الراوي: جابر بن عبدالله المحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 4037 خلاصة حكم المحدث: [صحيح]
------------------------------------------------
الشرح:
من لكعب بن الأشرف: أي من الذي ينتدب إلى قتله
قد آذى الله ورسوله: لأنه كان يهجو النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين ويحرض قريشا
فأذن لي أن أقول شيئا: أي قولا غير مطابق للواقع يسر كعبا لنتوصل به إلى التمكن من قتله وإنه استأذن أن يفتعل شيئا يحتال به
فأتاه: أي أتى محمد بن مسلمة كعب بن الأشرف
إن هذا الرجل: يعني النبي صلى الله عليه وسلم
وقد عنانا: بالمهملة وتشديد النون الأولى من العناء وهو التعب
قال: أي كعب بن الأشرف
وأيضا: أي وزيادة على ذلك وقد فسره بعد ذلك قوله
لتملنه: بفتح المثناة والميم وتشديد اللام المضمومة وبالنون المشددة من الملال أي ليزيدن ملالتكم وضجركم عنه
أن ندعه: أي نتركه إلى أي شيء يصير أمره أي أمر النبي صلى الله عليه وسلم ، أي يغلب الناس أو يغلبه الناس ، كذا في فتح الودود
أن تسلفنا: السلف والسلم والقرض
وسقا: الوسق بفتح [ ص: 360 ] الواو وكسرها ستون صاعا والصاع أربعة أمداد
أي شيء ترهنوني ؟: أي أي شيء تدفعونه إلي يكون رهنا
قال: كذا في بعض النسخ وفي بعضها قالوا وهو الظاهر
نساءكم: بالنصب أي أريد نساءكم
كان أحد يهود بني النضير يقود حربًا ضروسًا ضد المسلمين، وليس قبيلة بني النضير بكاملها، وكان اسمه كعب بن الأشرف، وهو من قادة وزعماء بني النضير، وكان يصرِّح بسبِّ الله وسبِّ الرسول الكريم ، وينشد الأشعار في هجاء الصحابة ، ولم يكتفِ بهذا الأمر، بل إنه ذهب ليؤلِّب القبائل على الدولة الإسلامية، وذهب أيضًا إلى مكة المكرمة، وألّب قريشًا على المسلمين، وبدأ يذكِّرهم ويتذاكر معهم قتلاهم في بدر، بل فعل ما هو أشد من ذلك وأنكى -وهو كما نعرف من اليهود ويعلم أن الرسول مُرسَل من رب العالمين- فعندما سأله القرشيون وهم يعبدون الأصنام، قالوا له: "أديننا أحب إليك أم دين محمد وأصحابه؟ وأيُّ الفريقين أهدى سبيلاً؟"
فقال الكافر: "أنتم أهدى منهم سبيلاً"[1].
وفي ذلك أنزل الله : {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلاَءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلاً} [النساء: 51].
وهذا الكلام الذي قاله كعب لقريش شجَّعهم على حرب المسلمين، بل فعل هذا الكافر أمورًا تخرج عن أدب العرب وعن فطرتهم، سواء في إسلامهم أو في جاهليتهم، فقد بدأ يتحدث بالفاحشة في أشعاره عن نساء الصحابة، رضي الله عنهن وعن أزواجهن جميعًا.
ارتكب كعب بن الأشرف -إذن- مجموعة من الجرائم والمخالفات الصريحة والواضحة للمعاهدة بينه وبين الرسول ؛ لأنه كان من نصوص المعاهدة ألا تُجار قريش ولا تُنصر على المسلمين، وقد كان ما فعله كعب كفيلاً بأن يأخذ النبي قرارًا في منتهى الحسم، وهو قرار قتل كعب بن الأشرف، فقال : "مَنْ لِي بِكَعْبِ بْنِ الأَشْرَفِ؛ فَإِنَّهُ آذَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ؟".
فقام محمد بن مسلمة وعباد بن بشر وأبو نائلة والحارث بن أوس ومجموعة من الأوس ، وقرروا القيام بهذه المهمة، وأدوها على أحسن وجه، وبهذا تخلصت الدولة الإسلامية من أحد ألدِّ أعدائها، وهو كعب بن الأشرف.
و الحديث مما ورد ايضاً فى سنن ابى داود تحت باب "فى العدو يؤتى على غرة و يتشبه بهم"
على غرة: أي غفلة ، فيدخل الرجل المسلم على العدو الكافر ويقتله على غفلة منه ، والحال أن العدو لا يعلم بعزم قتله ولا يقف على إرادته
ويتشبه: أي المسلم الداخل على العدو
بهم: أي بالأعداء في ظاهر الحال وقلبه مطمئن بالإيمان فيتشبه بهيئتهم وآدابهم وأخلاقهم والتلفظ بالكلمات التي فيها تورية بل بالكلمات المنكرة عند الشرع كما قال محمد بن مسلمة " إن هذا الرجل قد سألنا الصدقة وقد عنانا " فإن التلفظ بأمثال هذه الكلمات لا يجوز قطعا في غير هذه الحالة
وفي رواية محمد بن إسحاق فقال محمد بن مسلمة أنا لك به يا رسول الله أنا أقتله ، قال : فافعل إن قدرت على ذلك ، قال : يا رسول الله لا بد لنا أن نقول ، قال : قولوا ما بدا لكم فأنتم في حل من ذلك انتهى .
فأباح له الكذب لأنه من خدع الحرب .
قال الحافظ : وقد ظهر من سياق ابن سعد للقصة أنهم استأذنوه في أن يشكوا منه وأن يعيبوا دينه انتهى .
قال ابن المنير : هنا لطيفة هي أن النيل من عرضه كفر ولا يباح إلا بإكراه لمن قلبه مطمئن بالإيمان وأين الإكراه هنا وأجاب بأن كعبا كان يحرض على قتل المسلمين وكان في قتله خلاصهم فكأنه أكره الناس على النطق بهذا الكلام بتعريضه إياهم للقتل فدفعوا عن أنفسهم بألسنتهم مع أن قلوبهم مطمئنة بالإيمان انتهى وهو حسن نفيس .
والمقصود من عقد هذا الباب أن هذه الأفعال والخديعة وأشباهها تجوز لقتل العدو الكافر لكن لا يجوز ذلك بالعدو بعد الأمان والصلح والذمة ، وعليه يحمل حديث أبي هريرة المذكور في الباب .
وبعد الأمان يجوز ذلك بمن نقض العهد وأعان على قتل المسلمين كما فعل بكعب اليهودي ، وقصته كما عندابن إسحاق وغيره أن كعبا كان شاعرا وكان يهجو رسول الله صلى الله عليه وسلم [ ص: 359 ] ويحرض عليه كفار قريش ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم قدم المدينة ، وكان اليهود والمشركون يؤذون المسلمين أشد الأذى فأمر الله رسوله والمسلمين بالصبر ، فلما أبى كعب بن الأشرف أن ينزع عن أذاه وقد كان عاهد النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن لا يعين عليه أحدا فنقض كعب العهد وسبه وسب أصحابه ، وكان من عداوته أنه لما قدم البشيران بقتل من قتل ببدر وأسر من أسر قال كعب أحق هذا؟ أترون أن محمدا قتل هؤلاء الذين يسمي هذان الرجلان؟ فهؤلاء أشراف العرب وملوك الناس ، والله لئن كان محمد أصاب هؤلاء القوم لبطن الأرض خير من ظهرها ، فلما أيقن الخبر ورأى الأسرى مقرنين كبت وذل وخرج إلى قريش يبكي على قتلاهم ويحرضهم على قتاله صلى الله عليه وسلم ، ثم رجع إلى المدينة فشبب بنساء المسلمين حتى آذاهم .
كذا في شرح المواهب للزرقاني .
وقال بعضهم إن قتل كعب كان قبل النهي كما سيجيء .
هذا ملخص من شرح أبي داود لأبي الطيب
و الله تعالى اعلم
للمزيد
المصدر : http://ahadith01.blogspot.com/
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق